دبي، مايو 2018- كشفت مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال عن أن المجتمع الإماراتي ينظر إلى العنف الأسري باعتباره سلوكاً غير مقبول؛ لا سيما مع ارتفاع الوعي العام بمفهوم العنف الأسري وأهمية الحد من انتشاره من خلال قوانين رادعة تساهم في التصدي للظاهرة التي لا تتوافق مع القيم الاجتماعية والدينية للمجتمع.
جاء ذلك في سياق الإعلان عن نتائج دراسة ميدانية أجراها مركز الديرة للدراسات واستطلاع الرأي حول مستوى الوعي بالعنف الأسري في مجتمع الإمارات. واستهدفت الدراسة قياس الوعي العام بمفهوم العنف الأسري ومدى تقبله بين أفراد المجتمع والعلم بأساليب الحماية منه، إلى جانب استبيان الآراء حول كفاءة القوانين الحالية وقدرتها على ردع مرتكبي العنف الأسري.
وقالت سعادة عفراء البسطي، مدير عام مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، إن الدراسة ترصد حجم ممارسة العنف الأسري واتجاهات تطوره في المجتمع المحلي؛ كما تكشف عن العوامل المسببة له، إلى جانب أشكاله ومرتكبيه والضحايا الأكثر عرضة له وذلك بهدف المساهمة في وضع استراتيجية ملائمة وكفيلة بالتصدي للعنف والحؤول دون تحوله إلى ظاهرة تتسبب في تصدع بنيان المجتمع.
وأضافت البسطي: “يؤدي العنف الأسري بكافة صوره وأشكاله إلى إضعاف البناء الاجتماعي وانهياره. ولا تتحقق سلامة المجتمع واستقراره دون الحفاظ على البيئة الأسرية الصحية؛ لذلك نعمل على استقراء المعلومات حول نطاق انتشار العنف الأسري من أجل وضع استراتيجيات العمل الملائمة”.
ومن جانبها، أكدت هناء لوتاه، الرئيس التنفيذي لمركز الديرة للدراسات واستطلاع الرأي، على الجهود الحثيثة التي تبذلها دولة الإمارات لتعزيز الحقوق المدنية والاجتماعية والإنسانية بين أفراد المجتمع بكافة فئاته وطوائفه؛ بما في ذلك العمل على إيجاد حلول شاملة للقضايا الاجتماعية الملحة التي تتطلب اهتماماً مشتركاً من مختلف مؤسسات الدولة.
وقالت لوتاه: “هناك العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية العاملة في مجال مكافحة العنف الأسري، إلا أن هناك حاجة ماسَّة إلى توفير إحصاءات دقيقة تعكس واقع المشكلة ومدى انتشارها بين أفراد المجتمع لبحث إمكانية سن تشريعات إضافية فعالة تُمكّن الجهات المعنية من مكافحتها والحد منها”.
وأظهرت نتائج الدراسة الميدانية التي تناولت عدة محاور للبحث واستطلاع الرأي أن العنف الأسري غير مقبول نسبياً أو على الإطلاق بين 72% من إجمالي المستجيبين، فيما هناك 82% لديهم وعي بمفهوم العنف الأسري.
وفيما يتعلق بمصادر المعرفة بجوانب العنف الأسري، شكَّلت وسائل الإعلام التقليدية والحديثة الوسيلة الرئيسية لاستقاء المعلومات؛ ويشمل ذلك التلفزيون بنسبة 71%، والإنترنت 58%، والصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي 49% لكلِ على حدا.
وأبدى أكثر من نصف المستجيبين بنسبة 52% اعتراضهم على اعتبار العنف الأسري مسألة عائلية خاصة لا يحق لطرف خارجي التدخل فيها.
وأشارت الدراسة إلى أن غالبية المستجيبين لديهم مخاوف إزاء انتشار ظاهرة العنف الأسري في مجتمع الإمارات؛ حيث عبر 31% منهم عن قلقهم البالغ نحو تفشي هذا السلوك، فيما أظهر 45% قلقاً إلى حد ما.
وأوضح استطلاع الرأي أن 58% من إجمالي المستجيبين لم يشهدوا واقعة عنف أسري من قبل كما لم يعرفوا أي شخص تعرض له، مقابل 42% أفادوا بمعرفتهم لحالة معنَّفة في دولة الإمارات.
وفيما يتعلق بأكثر الأفراد تعرضاً للعنف الأسري، انقسمت الآراء بين الزوجة بنسبة 22%، والابنة 15%، والابن 12%، والعاملة المنزلية 9%، والأم 7%. فيما اعتُبر الزوج المرتكب الرئيسي للعنف الأسري وفقاً لرأي 27% من إجمالي عينة الدراسة، وحلَّ الأب في المرتبة التالية بنسبة 16%، ثم الزوجة بنسبة 10%.
وشمل استطلاع الرأي سؤالاً حول أسباب العنف الأسري من وجهة نظر المستجيبين، ووقع اختيار 53% منهم على إجابة شاملة تتضمن عوامل مختلفة تمثلت في الأعباء الأسرية وارتفاع تكاليف المعيشة وتعاطي مغيبات العقل وتأثير وسائل الإعلام وغيرها.
وأظهرت الغالبية تفاعلاً إيجابياً في حال مشاهدة واقعة عنف أسري، إذ أفاد 23% من إجمالي المستجيبين بأن رد الفعل سيكون التدخل الفوري لحماية الضحية وردع مرتكب العنف، فيما قال 19% إنهم سينصحون الضحية بطلب المساعدة من الجهات المختصة.
وفيما يتعلق بالجهات التي يجب اللجوء إليها في حالات التعرض للعنف الأسري، أوضحت الإحصاءات أن 41% من المستجيبين ينصحون الضحايا باللجوء إلى المؤسسات المعنية بمكافحة العنف الأسري، والأقارب بنسبة 31%، ثم الشرطة بنسبة 26%. وعبَّر 81% عن تأييدهم لمنح المؤسسات العاملة في هذا المجال المزيد من الصلاحيات لتعزيز فعاليتها في حل قضايا العنف الأسري قبل التصعيد القانوني.
وجاءت آراء المستجيبين متفاوتة بشأن كفاءة التشريعات القانونية المستخدمة لمعاقبة مرتكبي العنف الأسري، حيث رأي 30% فقط من إجمالي المستجيبين أن القوانين الحالية كافية، فيما أفاد 35% بأن القوانين رادعة نوعاً ما، وأشار 12% إلى عدم فعالية القوانين؛ ومن ثَّم أكد 84% تأييدهم لتشريع قانون خاص بالعنف الأسري.
وخرجت الدراسة بمجموعة من التوصيات والإجراءات التي من شأنها المساهمة في توعية أفراد المجتمع والحد من العوامل المسببة لتفاقم المشكلة وانتشارها.
وأوضحت لوتاه قائلة: “تتضمن التوصيات مراجعة القوانين الحالية وإصدار تشريعات رادعة لمكافحة العنف الأسري، إلى جانب تعزيز ثقافة الإبلاغ عن حالات العنف الأسري ودعم وتمكين النساء والأطفال المعنفين”.
أُجريت الدراسة باستخدام نموذج العينة الطبقية العشوائية وشملت 1196 شخصاً شاركوا في استطلاع الرأي من كافة إمارات الدولة بواقع 32.9% من أبوظبي و27.6% من دبي و18.1% من الشارقة، فيما تشكلت النسبة المتبقية من الإمارات الأخرى. وشملت العينة مستجيبين يعيشون بصفة دائمة في دولة الإمارات سواء كانوا إماراتيين أو مقيمين بين الفئة العمرية من 15 إلى 60 عاماً.